تثمين البيانات  Data Valorization

تثمين البيانات  Data Valorization

Picture of هدى العمري

هدى العمري

فريق تحرير الجمعية

عُقد يوم الاثنين 13 رجب 1446هـ الموافق 13 يناير 2025م لقاء مميز ضمن سلسلة لقاءات جمعية إدارة البيانات السعودية، بحضور الدكتور خالد الرويلي، أحد القادة البارزين في مجال البيانات والذكاء الاصطناعي. تناول اللقاء موضوع “تثمين البيانات|“Data Valorization، حيث سلط د. الرويلي الضوء على أهمية البيانات كأصل استراتيجي، وقدّم رؤية متعمقة حول كيفية تحويل البيانات إلى قيمة فعلية تدعم المؤسسات وتسهم في تعزيز الاقتصاد الرقمي. كما شهد اللقاء نقاشاً مثرياً شمل الإجابة على أسئلة الحضور ومناقشة التحديات والتوجهات المستقبلية في هذا المجال الحيوي.

افتتح د. خالد حديثه بتقديم تعريف شامل لمفهوم “تثمين البيانات”، موضحًا أنه يشير إلى العمليات والاستراتيجيات التي تهدف إلى تحويل البيانات إلى موارد ذات قيمة ملموسة، سواء كانت هذه القيمة اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية. وأكد أن المصطلحات المرتبطة بهذا المجال قد تتداخل أحيانًا، مشيرًا إلى أنها “إذا اجتمعت افترقت وإذا افترقت اجتمعت”، حيث يختلف معناها بناءً على السياق والاستخدام.

ناقش د. الرويلي مفهوم  Multi-Temperature Data، الذي يشير إلى أن قيمة البيانات قد تتغير مع مرور الزمن. حيث إن البيانات عند إنتاجها تكون غالبًا “Hot” لأنها مرتبطة بأحداث جارية وتستخدم بشكل مكثف. ومع مرور الوقت، قد تصبح هذه البيانات“Warm” ، حيث لا تزال ذات فائدة ولكن بأهمية أقل. وفي النهاية قد تتحول إلى “Cold” عندما تصبح قديمة أو أقل استخدامًا. وأوضح أن البيانات الحديثة غالبًا ما تكون أكثر قيمة، بينما يمكن للبيانات التاريخية أن تستعيد قيمتها إذا كانت تخدم أغراضًا تحليلية طويلة الأجل، مثل دراسة الاتجاهات الاقتصادية أو الاجتماعية.

 

مفهوم تثمين البيانات

قدم د. خالد شرحًا وافيًا للمصطلحات الأساسية المرتبطة بتثمين البيانات، موضحًا الاختلافات الدقيقة بينها:

  • Data Valuation: هي معرفة القيمة المالية للبيانات، سواء كانت قيمة نقدية مباشرة أو قيمة مرتبطة بتأثيرها الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي.
  • :Data Evaluation هي تقييم البيانات من حيث الجودة وأبعادها (مثل الدقة والاتساق والاكتمال) ومدى صلاحيتها للاستخدام.
  • :Data Monetization عملية تحويل البيانات إلى أصول نقدية من خلال تقديم خدمات أو منتجات تعتمد عليها أو تقليل التكاليف باستخدام البيانات، دون بيع البيانات بشكل مباشر. تُعرف هذه العملية أيضًا بتسييل البيانات.
  • :Data Productization وهي تحويل البيانات إلى منتجات أو خدمات يمكن بيعها، مثل توفير حلول تحليلية أو خدمات استشارية.

 

العوامل المؤثرة في تثمين البيانات

  • جودة البيانات: الجودة العالية تزيد من قدرة البيانات على تحقيق قيمة مضافة، سواء من خلال تقليل التكاليف أو زيادة الكفاءة.
  • السياق: استخدام البيانات في السياق المناسب يزيد من قيمتها. مثال: استخدام بيانات سياسية في نقاش رياضي قد يفقدها قيمتها.
  • ندرة البيانات: كلما كانت البيانات نادرة أو صعبة الحصول، زادت قيمتها.
  • القدرات التحليلية: القدرة على معالجة وتحليل البيانات بفعالية باستخدام أدوات وتقنيات متقدمة يزيد من قيمتها.
  • الأمان والامتثال: البيانات المحمية والمتوافقة مع الأنظمة والتشريعات، مثل قوانين حماية البيانات الشخصية (PDPL)، تكتسب قيمة أكبر وتعزز الثقة في البيانات.

 

التطبيقات العملية لتثمين البيانات

استعرض د. الرويلي أمثلة حقيقية عن كيفية استخدام البيانات في مختلف القطاعات:

  • في القطاع الصحي: تحليل بيانات المرضى يمكن أن يسهم في تحسين جودة الرعاية الصحية من خلال تقليل فترات الانتظار، وتوزيع الموارد بشكل أكثر كفاءة، وتحسين جودة الخدمة المقدمة للمرضى
  • في القطاع المالي: تحسين استراتيجيات الاستثمار وإدارة المخاطر يعتمد على تحسين الكفاءة وتقليل التسرب المالي عبر نماذج التنبؤ.
  • في القطاع الزراعي: تحسين الإنتاجية باستخدام بيانات الطقس وخصائص التربة.
  • في القطاع اللوجستي: تحسين سلسلة التوريد وخفض التكاليف عبر تحليل بيانات النقل.

 

التحديات المرتبطة بتثمين البيانات

ناقش د. خالد التحديات التي تواجه الجهات في الاستفادة من البيانات وتثمينها، ومن أبرزها:

  • غياب معايير موحدة لتقييم البيانات.
  • تعقيد البيانات الكبيرة وغير المنظمة، مما يتطلب موارد إضافية للمعالجة.
  • التعامل مع البيانات الضخمة وغير المنظمة يتطلب استثمارات كبيرة في البنية التحتية والتقنيات التحليلية.
  • التحديات القانونية المرتبطة بحماية البيانات الشخصية والامتثال للتشريعات والتي تحد من قدرة المؤسسات على الاستفادة من البيانات.
  • صعوبة تحويل البيانات غير الملموسة إلى قيمة مالية.
  • حماية البيانات من الاختراقات أو الاستخدام غير المصرح به.

 

نماذج تسعير البيانات

عرض د. خالد نماذج لتسعير البيانات، موضحًا أن التقييم يمكن أن يعتمد على:

  • احتياجات العميل.
  • الأهداف الداخلية للمنشأة.
  • مزيج من العوامل، حيث يتم تخصيص أوزان نسبية لكل عامل لتحديد القيمة.

 

التوجهات المستقبلية في تثمين البيانات

تحدث د. خالد عن عدة توجهات مستقبلية مهمة، منها:

  • أسواق البيانات: نمو الأسواق التي تقدم خدمات البيانات بدلًا من بيعها بشكل مباشر.
  • أتمتة التقييم: استخدام الذكاء الاصطناعي لتقييم البيانات.
  • التشريعات الصارمة: زيادة صرامة القوانين لحماية خصوصية البيانات وتعزيز الشفافية.
  • تحويل البيانات إلى عملة رقمية: مثلما حدث مع البيتكوين.

 

أبرز الأسئلة المطروحة والأجوبة مع ضيف اللقاء

– لماذا الجهات الحكومية لا تزال غير قادرة على استثمار بياناتها بشكل فعال لتحقيق عائد مادي أو تحسين الكفاءة، رغم امتلاكها لمخزون بيانات ضخم يمكن أن يساهم في خدمة المجتمع بشكل أفضل؟

أوضح د. خالد أن المؤسسات تتحرك بناءً على عاملين رئيسيين: التكلفة (Cost) والمنفعة (Benefit) أو الترغيب والترهيب. بعض الجهات لا تدرك الفوائد المالية المباشرة للبيانات، مما يجعلها غير متحفزة بالترغيب. هنا يأتي دور الترهيب بإبراز المخاطر مثل التأثير السلبي على السمعة أو الأمن القومي عند سوء إدارة البيانات.

وأشار إلى أن نقص الوعي بأهمية البيانات كأصل استراتيجي هو أحد أسباب عدم استثمار الجهات الحكومية بفعالية. كما شدد على ضرورة تقييم البيانات لمعرفة قيمتها وتخصيص الموارد وفقًا لذلك، إلى جانب تطوير برامج توعية تستهدف الأفراد والمؤسسات لتعزيز فهمهم لدور البيانات في تحسين الكفاءة وتحقيق العوائد.

 

– كيف يمكن لمسؤول البيانات في المنظمة إظهار قيمة البيانات والاستثمار فيها للإدارة العليا لضمان القبول والدعم، بحيث لا يقتصر تحقيق القيمة على الامتثال فقط؟

أوضح د. خالد من خلال تجربة شخصية كيفية إقناع الإدارة العليا بقيمة البيانات. ذكر مشروعًا للنماذج التنبؤية (Data Mining) حيث أوضح الفريق للٌدارة العليا أن خسارة العملاء المهددين بالانتقال إلى المنافسين ستكلف الشركة أضعاف تكلفة المشروع.

عبر تقديم أرقام واضحة ونتائج متوقعة، حصل المشروع على موافقة الإدارة ونجح في خفض معدل تسرب العملاء بأكثر من 10%. كما أكد د. خالد على أن تقديم أمثلة واقعية مدعومة بالأرقام لعرض تكلفة المشروع مقابل العائد المتوقع هو الطريقة المثلى لإقناع الإدارة بدعم استثمارات البيانات.

 

كيف يمكن تحقيق التوازن بين تثمين البيانات في المدن الذكية مع الالتزام بقوانين الخصوصية والتشريعات والأخلاقيات، خاصة مع التوجه الكبير نحو تطوير هذه المدن؟

أوضح د. خالد أن تحقيق التوازن بين تثمين البيانات والخصوصية في المدن الذكية يتطلب إجراء تحليل التكلفة والفائدة (Cost-Benefit Analysis) لتقييم الاستفادة من البيانات مقابل القيود التنظيمية والقانونية. وأشار إلى أن معرفة الحدود القانونية والأخلاقية تُعد الأساس لاتخاذ قرارات مسؤولة تضمن تحقيق هذا التوازن. وأكد أن تعديلات القوانين قد تكون ضرورية إذا تمكنت الجهات المعنية من إثبات القيمة المتحققة من استغلال البيانات، مشددًا على أن التوعية بالقيمة الحقيقية للبيانات والأنظمة التي تحكم استخدامها تُسهم في صياغة نموذج متوازن يحقق الأهداف دون انتهاك القوانين أو الأخلاقيات.

 

– ما دور منصة البيانات المفتوحة في تحسين الاستفادة من البيانات؟

أوضح د. خالد أن منصة البيانات المفتوحة لا تزال في مراحلها الأولى مع تفاوت طبيعي في مستويات النضج بين الجهات الحكومية، مما يمثل محفزًا للجهات الأقل نضجًا لتحسين أدائها، كما تتيح للمستفيدين فرصة استكشاف البيانات المتاحة وتحديد الفجوات. وأكد أن المنصة ستشهد تطورًا كبيرًا خلال السنوات القادمة.

 

هل يجب تسعير البيانات بناءً على احتياجات العميل أم على تقييم داخلي؟

أشار د. خالد إلى أن الخيار الأفضل هو مزيج من الطريقتين، بحيث يتم مراعاة احتياجات العميل وفي الوقت نفسه الأخذ بعين الاعتبار الأهداف الداخلية للمنشأة.

 

كيف يمكن الاستفادة الكاملة من البيانات الموجودة في القطاع الصحي؟

أوضح د. خالد أن الاستفادة الكاملة من البيانات تبدأ بالتركيز على ما يُعرف بـالثمار الدانية (Low-Hanging Fruit)، وهي الحلول السهلة والقابلة للتطبيق بسرعة لتحقيق قيمة فورية. واقترح البدء بتحديد هذه البيانات واستثمارها عبر دمجها مع نماذج أو تقنيات بسيطة لتطوير نماذج أولية (Prototypes) تُظهر القيمة بشكل سريع وفعال. وأكد الدكتور على قاعدة From Root to Fruit“، والتي تعني أن بناء أساس قوي من إدارة البيانات وحوكمتها يؤدي إلى تحقيق رؤى وتحليلات ذات قيمة عالية، تمامًا مثل الشجرة التي تُنتج ثمارًا جيدة من جذور قوية.


اختُتم د. الرويلي اللقاء بتأكيده على أن البيانات ليست مجرد أرقام ومعلومات محفوظة، بل هي أصل استراتيجي يمكنه تحقيق تحول جذري في طريقة عمل المؤسسات والمجتمعات. كما أكد على أهمية تبني نهج شمولي في إدارة البيانات، يبدأ من تحسين الجودة والامتثال للتشريعات، وصولًا إلى استثمارها كأداة فعالة لدعم القرارات وتحقيق القيمة الاقتصادية والاجتماعية
.

 

بإمكانك مشاهدة كامل اللقاء على قناة الجمعية على يوتيوب عبر الضغط هنا.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

موقعنا يستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك أثناء التصفح